٤،١٠،٦٦ - أبو سفيان وهرقل
قال عبد الله بن عباس إن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا في تجارة بأرض الشام، فأتوه وهو بايلياء ، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم. ثم دعا ترجمانه فقال: أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: أنا أقربهم نسبا قال: أدنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره. ثم قال لترجمانه : قل لهم: إني سائل هذا عن هذا الرجل، فإن كذبني فكذبوه. قال: فوالله لولا الحياء من أن يؤثروا علي كذبا لكذبت عليه ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت : هو فينا ذو نسب. قال: فهل قال هذا القول أحد منكم قط قبله؟ قلت : لا . قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت : لا. قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا. قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت : لا . قال: فهل يغدر؟ قلت : لا ، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها قال أبو سفيان: ولم يمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة- قال: فهل قاتلتموه؟ قلت : نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت : الحرب بيننا وبينه سجال: ينال منا وتنال منه. قال: بماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة. فقال للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه؟ فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها . وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول فذكرت أن لا فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يتأسى بقول قيل قبله ، وسألتك : هل كان من آبائه من ملك؟ فذكرت أن لا . قلت: فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه . وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا، فقد عرفت أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله وسألتك : أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل. وسألتك : أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون وكذلك أمر الإيمان حتى يتم، وسألتك : أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا ، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. وسألتك هل يغدر؟ فذكرت أن لا ، وكذلك الرسل لا يغدرون. وسألتك : بم يأمركم؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين. وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، ثم دعا بكتاب رسول الله الذي بعث به دحية إلى عظيم بصري فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتبع الهدى أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين»، و قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون . قال أبو سفيان : فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب، كثر عنده الصحب، وارتفعت الأصوات وأخرجنا فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد بلغ من أمر ابن أبي كبشة أنه يخافه ملك بني الأصفر. فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام